قاضي التحقيق : المهام والصلاحيات في إطار المسطرة الجنائية المغربية
يعتبر قاضي التحقيق أحد الركائز الاساسية لمنظومة العدالة الجنائية في المغرب.فهو يمثل الحلقة الوسطى بين النيابة العامة والمحكمة.في هذا المقال سنقدم تعريف شامل لصفة قاضي التحقيق ضمن المنظومة القضائية المغربية، بالإضافة إلى عرض أبرز المهام والصلاحيات المخولة له بموجب القانون.
- قاضي التحقيق : المهام والصلاحيات في إطار المسطرة الجنائية المغربية
تعريف صفة قاضي تحقيق
يعرف قانون المسطرة الجنائي قاضي التحقيق (le juge d’instruction) بأنه ضابط سام للشرطة القضائية.وبالتالي فهو بهذه الصفة مخول له قانونا القيام بتسيير جميع أعمال ضباط الشرطة القضائية العاديين، المحددين بمقتضى المادة 20 من القانون ذاته، والذين تُناط بهم مهمة التثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها.وتتمثل المهمة الرئيسية لقاضي التحقيق، وفقا لاحكام قانون المسطرة الجنائية، في التقصي والبحث في القضايا (التحقيق الإعدادي) التي تُحال إليه، إما بملتمس من النيابة العامة أو بناءً على شكاية مرفقة بتنصيب مشتكي طرفا مدنيا.
يُعيّن قاضي التحقيق بقرار صادر عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بناءً على اقتراح من رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، وذلك وفقاً للمادة 70 من القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي. يُختار قاضي التحقيق من بين قضاة الحكم بالمحاكم الابتدائية أو المستشارين بمحاكم الاستئناف، ويمتد تعيينه لفترة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
صلاحيات قاضي التحقيق
يتمتع قاضي التحقيق، الذي يُعرف بلقب “القاضي القوي” بين بعض القانونيين، بصلاحيات محددة بمقتضى قانون المسطرة الجنائية. وتُخوله هذه الصلاحيات اتخاذ جملة من الإجراءات المتعلقة بالتحقيق في القضايا المحالة إليه من النيابة العامة أو من الطرف المدني. وفيما يلي تفصيل لأبرز هذه الصلاحيات:
إنجاز الأبحاث الاجتماعية والنفسية حول المتهم
أتاحت المادة 87 من قانون المسطرة الجنائية لقاضي التحقيق إنجاز الأبحاث الاجتماعية والنفسية حول المتهم، والتي تشمل هويته وحالته العائلية والاجتماعية، الشئ الذي يمكن قاضي التحقيق من تكوين قناعة في القضية المعروضة أمامه.كما أجازت له كذلك المادة 88 من نفس القانون امكانية إجراء فحص طبي للمتهم أو تكليف طبيب خاص بالقيام بفحص طبي نفساني للمتهم، الأمر الذي يتيح لقاضي التحقيق التأكد من الحالة الصحية للمتهم.
تكليف ضباط الشرطة القضائية بتنفيذ بعض إجراءات التحقيق
أجازت المادة 86 من قانون المسطرة الجنائية، لقاضي التحقيق صلاحية تكليف أحد ضباط الشرطة القضائية، عبر إنابة قضائية (نوع من التفويض القضائي)، بتنفيذ بعض إجراءات التحقيق عندما يتعذر عليه القيام بها بنفسه، كتفتيش المنازل أو الاستماع الى أحد الشهود.
التنقل و التفتيش و الحجز
يحق لقاضي التحقيق، بمقتضى المادة 99 من قانون المسطرة الجنائية، وبعد إبلاغ النيابة العامة، أن ينتقل إلى أي مكان لإجراء المعاينات وتفتيش الأماكن وحجز ما بها من أدلة أو وثائق متعلقة بالجريمة، وعليه تحرير محضر رسميا يوثق لما أنجزه من أعمال.
ملاحظة :
تخضع عمليات تفتيش ومعاينة المنازل للأحكام والضوابط المحددة في المواد 59 و 60 و 62 من قانون المسطرة الجنائية.
بالإضافة إلى هذا، يجوز لقاضي التحقيق، إذا اقتضت ضرورات التحقيق ذلك، إجراء تحقيقات خارج نفوذ حدود المحكمة التي يمارس فيها مهامه ، شرط إبلاغ كل من النيابة العامة بمحكمته والنيابة العامة التي سيجري التحقيق في دائرة نفوذها.
التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد
وفقاً للمادة 108 من قانون المسطرة المدنية، يحق لقاضي التحقيق إصدار أمر كتابي بتسجيل ونسخ المكالمات الهاتفية وجميع الاتصالات الحديثة، إذا اعتبر ذلك ضرورياً لإجراء البحث.
الاستماع إلى الشهود
منحت المادة 117 من قانون المسطرة الجنائية لقاضي التحقيق صلاحية استدعاء الشهود الذين يرى في شهادتهم فائدة، ويمكن أن يتم هذا الاستدعاء عبر أعوان القوة العمومية، أو الأعوان القضائيين، أو برسالة مضمونة، أو بالطرق الإدارية.
استنطاق المتهم ومواجهته مع الغير
لقاضي التحقيق، استنادًا إلى مقتضيات الباب السابع من قانون المسطرة الجنائية، صلاحية إجراء استجواب للمتهم أو مواجهته مع أطراف أخرى، متى رأى ذلك ضروريًا لسير البحث القضائي.
أوامر قاضي التحقيق
خوّل المشرّع لقاضي التحقيق، ضمن الباب الثامن من قانون المسطرة الجنائية، سلطة إصدار عدة أوامر، تتمثل في: أمر بالحضور، أمر بالإحضار، أمر بالإيداع في السجن، وأمر بإلقاء القبض. وتخضع هذه الأوامر لإشراف ومراقبة النيابة العامة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لقاضي التحقيق إصدار أمر بمنع المتهم من مغادرة التراب الوطني وسحب جواز سفره، وذلك لضمان عدم فراره طوال مدة البحث.
الوضع تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي
أتاح المشرع لقاضي التحقيق، وفقًا للمادة 159 من قانون المسطرة الجنائية، تدبرين استثنائيين يتمثلان في الوضع تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي. ويتم تطبيق هذين التدبيرين في حالات الجنايات أو الجنح التي يعاقب عليها القانون بعقوبة سالبة للحرية.
الإنابة القضائية
لقاضي التحقيق، استنادًا إلى مقتضيات الباب العاشر من قانون المسطرة الجنائية، أن يطلب بواسطة إنابة قضائية من أي قاض آخر للتحقيق، أو أي قاض أو أي ضابط من ضباط الشرطة القضائية الموجودة في نفس دائرة محكمته، للقيام بما يراه ضرورياً من إجراءات التحقيق في المناطق الواقعة تحت سلطتهم.كما يمكنه أن يعهد بتنفيذ الإنابة القضائية خارج دائرة نفوذ محكمته إلى قاض آخر من قضاة التحقيق أو قضاة الحكم.
إجراء الخبرة
تمنح المادة 194 من قانون المسطرة الجنائية لقاضي التحقيق امكانية طلب إجراء خبرة سواء بشكل تلقائي أو بطلب من النيابة العامة أو من الأطراف المعنية.
ملاحظة :
يجوز للنيابة العامة الطعن في كافة إجراءات قاضي التحقيق أمام الغرفة الجنحية، باستثناء إجراء الخبرة.
الأوامر القضائية بشأن انتهاء التحقيق
نصت مقتضيات الباب الثالث عشر من قانون المسطرة الجنائية على إلزام قاضي التحقيق بإحالة ملف التحقيق بمجرد الانتهاء من البحث، بعد أن يكون كاتب الضبط قد قام بترقيم أوراقه، الى النيابة العامة. كما حدد كذلك هذا الباب للنيابة العامة مدة أقصاها ثمانية أيام لتوجيه ملتمساتها إلى قاضي التحقيق.
في هذا المقال استعرضنا مهام و صلاحيات قاضي التحقيق في إطار قانون المسطرة الجنائية المغربي، والتي تتضمن إجراء مجموعة من التحقيقات بالتنسيق مع النيابة العامة بهدف الكشف عن حقيقة الجرائم.